معاني هذا الدعاء العظيم
(بسم الله الرحمن الرحيم)البسملة أصل في هذا الدعاء أي ليست من باب أحاديث استحباب ابتداء الأمور بالبسملة للتبرك مع أن التبرك حاصل قطعاً .
(رَبِّ اَدْخِلْني في لُجَّةِ بَحْرِ اَحَدِيَّتِكَ ، وَطَمْطامِ يَمِّ وَحْدانِيَّتِكَ) الرب : أي المالك للتدبير والمالك للشئ يسمى ربه ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله وأما في غيره فبقيد فيقال: رب الدار ورب الضيعة وقيل انه مشتق من التربية ومنه قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم) ومتى قيل في الله انه رب بمعنى انه سيد فهو من صفات ذاته.ولج البحر وسطه أو الماء الكثير الذي لا يدرك طرفاه والبحر اللجّي هو البحر المتردّد أمواجه منسوب إلى لجّة البحر وهي تردّد أمواجه كما جاء في تفسير الميزان . و ( الأحد )الذي لا مثيل له فلا يشركه فيها غيره , ولهذا لاينعت به غير اللّه تعالى فلا يقال :رجل أحد و لا درهم أحد , ونحو ذلك . و(الطمطام) وسط البحر و(اليم) البحر كذا في العربية والعبرية
(وَقَوِّنى بِقُوَّةِ سَطْوَةِ سُلْطانِ فَرْدانِيَّتِكَ)) السطوة ) من السَّطْوُ: القهر بالبطش . والسَّطْوة المرَّة الواحدة، والجمع السَّطَوات.كما في لسان العرب .والسلطان الوالي .و(الفردانية) أي أنه موجود وحده لا موجود معه . والمعنى هو طلب القوة من أصلها وهي الفردانية التي ظهر عنها القهر والسلطة المتصفة بالسطوة .
(حَتّى اَخْرُجَ اِلى فَضاءِ سَعَةِ رَحْمَتِكَ)أي أن الدخول في فضاء الرحمة المطلقة الواسعة ناتج عن الإقرار بالأحدية والفدانية تحت ولاية وسلطان الله تعالى ومن مصاديق هذه الرحمة دين الإسلام والنبوة والإمامة والولاية والقرآن الكريم والجنة والمطر والنعمة والرزق والنصر والعافية والمودة والإيمان .
(في وَجْهي لَمَعاتُ بَرْقِ الْقُرْبِ مِنْ آثارِ حِمايَتِكَ) المراد من لمعان البرق في الوجه ظهور نوره بالبشر والطلاقة وحماية الله تعالى للعبد تشمل العصمة عن بلاء الدنيا وارتكاب الذنوب وكل ذلك من آثار الإقرار المتقدم وتحت سلطانه .
(مَهيباً بِهَيْبَتِكَ عَزيزاً بِعِنايَتِكَ مُتَجَلِّلاً مُكَرَّماً بِتَعْليمِكَ وَتَزْكِيَتِكَ) (الهيبة هي الإجلال والمخافة.والعزيز هو الممتنع فلا يغلبه شيء ، أو هو القوي الغالب كل شيء والجَلِيل : من صفات الله تقدس وتعالى ، وقد يوصف به الأَمر العظيموجَلَّ الشيءُ يَجِلُّ جَلالاً وجَلالةً وهو جَلٌّ وجَلِيلٌ وجُلال: عَظُم كذا في لسان العرب , وتثبت هذه الصفات للمؤمن بتعليم الله تعالى وهدايته لأسبابها وعللها وشروها الطبيعية وغير الطبيعية من التوفيق والعناية الخفية والطهارة الروحية .
(واَلْبِسْنى خِلَعَ الْعِزَّةِ وَالْقَبُولِ وَسَهِّلْ لى مَناهِجَ الْوُصْلَةِ والْوُصُولِ ، وَتَوِّجْني بِتاجِ الْكَرامَةِ وَالْوَقارِ ، وَاَلِّفْ بَيْني وَبَيْنَ اَحِبّائِكَ فى دارِ الدُّنْيا وَدارِ الْقَرارِ) الخلع : الثياب ,والمنهج : الطريق , والوصلة :ما اتصل بالشيء وكل شيء اتصل بشيء فما بينهما وصلة والجمع وصل ,والمعنى هو طلب العبد من ربّه تسهيل الطرق وتيسير الأمور في الهداية والوصول لله عز وجلّ وهو غاية كل مؤمن .
(وارْزُقْنى مِنْ نُورِ اسْمِكَ هَيْبَةً وَسَطْوَةً تَنْقادُ لِيَ الْقُلُوبُ وَالاَْرْواحُ ، وَتَخْضَعُ لَدَيَّ النُّفُوسُ وَالاْشْباحُ) الأشباح ما تتعلق بها الروح في عالم البرزخ كمافي ( مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول)أن الأشباح التي تتعلق بها النفوس ما دامت في عالم البرزخ ليست بأجسامهم و إنهم يجلسون حلقا حلقا على صور أجسادهم العنصرية يتحدثون و يتنعمون بالأكل و الشرب، و إنهم ربما يكونون في الهواء بين الأرض و السماء يتعارفون في الجو و يتلاقون و أمثال ذلك مما يدل على نفي الجسمية و إثبات بعض لوازمها على ما هو منقول في الكافي و غيره يعطي أن تلك الأشباح ليست في كثافة الماديات و لا في لطافة المجردات بل هي ذوات جهتين و واسطة بين العالمين .
(يا مَنْ ذَلَّتْ لَهُ رِقابُ الْجَبابِرَةِ وَخَضَعَتْ لَدَيْهِ اَعْناقُ الاْكاسِرَةِ لا مَلْجَاَ وَلا مَنْجى مِنْكَ إلاّ اِلَيْكَ، وَلا اِعانَةَ إلاّ بِكَ وَلاَ اِتّكاءَ إلاّ عَلَيْكَ، ادْفَعْ عَنّي كَيْدَ الْحاسِدينَ وَظُلُماتِ شَرِّ المُعانِدينَ وأرْحَمْني تَحْتَ سُرادِقاتِ عَرْشِكَ يا اَكْرَمَ الاَْكْرَمينَ اَيِّدْ ظاهِري في تَحْصيلِ مَراضيكَ وَنَوِّرْ قَلْبي وَسِرّي بالاِْطِّلاعِ عَلى مَناهِجِ مَساعيكَ ) ) الأكاسرة ) جمع كسرى كبير الفرس وجمعها أكاسرة ، كل ملك تعاظم ملكه ووصل إلى ما وصل إليه كسرى الفرس من ملك وجبروت .وسرادق العرش جاء في بحار الأنوار عن أمير المؤمنين عليه السلام " ثم سرادقات الجلال وهي ستون سرادقا ، في كل سرادق سبعون ألف ملك، بين كل سرادق وسرادق مسيرة خمسمائة عام، ثم سرادق العز، ثم سرادق الكبرياء، ثم سرادق النور الابيض، ثم سرادق الوحدانية وهو مسيرة سبعين ألف عام، ثم الحجاب الاعلى. وانقضى كلامه عليه السلام"
(اِلهي كَيْفَ اَصْدُرُ عَنْ بابِكَ بِخَيْبَة مِنْكَ وَقَدْ وَرَدْتُهُ عَلى ثِقَة بِكَ، وَكَيْفَ تُؤْيِسُني مِنْ عَطائِكَ وَقَدْ اَمَرْتَنى بِدُعائِكَ وَها اَنَا مُقْبِلٌ عَلَيْكَ مُلْتَجِيٌ اِلَيْكَ باعِدْ بَيْني وَبيْنَ اَعْدائي، كَما باعَدْتَ بَيْنَ اَعْدائي اِخْتَطِفْ اَبْصارَهُمْ عَنّي بِنُورِ قُدْسِكَ وَجَلالِ مَجْدِكَ اِنَّكَ اَنْتَ اللهُ المُعْطي جَلائِلَ النِّعَمِ الْمُكَرَّمَةِ لِمَنْ ناجاكَ بِلَطائِفِ رَحْمَتِكَ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ يا ذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، وَصَّلى اللهُ عَلى سَيِّدِنا وَنَبِيِّنا مُحَمَّد وَآلِهِ اَجْمَعينَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ)
هذا بعض البيان للمعاني التي وردت في هذا الدعاء الجليل القدر قد وقفنا على ما كان منها غير واضح للداعي والقاريء بصورة مختصرة وإلا فإن كلامهم عليهم السلام بعيد المرام لايقف شارح عليه ولايستطيع بليغ بيانه إلا بمداد وقراطيس وفكر وتدبر على أكمل صورة ومقام .