السحر معناه الأقوال، والأفعال التي تنافي أصول الدين، وتتعارض مع الأخلاق الشرقية حيث أنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد ، ولهذا عرفه الفقهاء: بأنه كلام مؤلف يعظم به غير اللّه تعالى، وتنسب إليه مقادير الكائنات. أما عن اصل السحر فهو يعود إلى المصريين القدماء الذين عرفوا منذ عام 2700ق.م. أي
في عهد الدولة القديمة وكان أول ساحر فرعوني في هذا الصدد هو ديدي الذي كان يقطع رؤوس الطيور ثم يعيدها مرة أخرى وكذلك المصريين القدامى هم الذين علموا البشرية خفة اليد التي تلعب من خلال وضع كرات مختفية في كؤوس ثم تحولها إلى أشياء غير متوقعة.
و قد تحدث عنهم القرآن الكريم فقد اخبرنا بأن فرعون قد جمع من قومه كل سحار عليم، وجاء بهم مجتمعين، فماذا كان من أمرهم؟ إنهم لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، كما قال تعالى: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) فهذا صريح في أن سحرة فرعون وهم أمهر السحرة لم يأتوا إلا بخيال لا حقيقة له، ولو كان للسحر اثر حقيقي لجاءوا به في هذا الوقت العصيب، وليس من المعقول أبداً أن يأتي فرعون بكل سحار عنيد في مقام الانتصار لعز شيء عندهم، ثم يكون قصار أمرهم أن يأتوا بخيال لا حقيقة له، وهم عالمون بغيره، والواقع أن هذه الآية تدل دلالة واضحة على أن قصارى أمر السحر هو ذلك الخيال الذي جاء به سحرة فرعون. وللتصفح في الصراع بين السحرة وسيدنا موسى عليه السلام من الممكن النظر في آيات عدة من القرآن الكريم وفي سور عدة مثل الأعراف ، طه ، الشعراء القصص ، يونس ...الخ.
ثم عرفوا اليهود من بعد الفراعنة وخاصة في عهد سيدنا سليمان عليه السلام وما ذكر بعد وفاته حيث يذكر المولى سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية 102 وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
ومن ثم انتقل إلى باقي الأمم[1] على مدار التاريخ فانتقل إلى الغرب الأوروبي في القرن الثامن عشر الميلادي على يد بنيتي ومن ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية على يد الساحر هيرمان الذي أول من طاف بهذه المهنة في العالم خارج بلده.
وكان من أشهر السحرة في الولايات المتحدة الأمريكية هو هاري هودني الذي ولد في عام 1874م وعمل في مهنة السحر في عام 1882م بعد أن استطاع أن يجلس على سطح الماء لمدة دقيقة واحدة. وتوفي هذا الساحر في عام 1926م وادعى اتباعه أنهم على صلة بروحه لمدة عشرة أعوام ولكن لم يثبت أحد ذلك لزوجته التي حاولت هذا الموضوع. وله مؤلفات كبيرة جداً في السحر. واهتمت بعد ذلك الوسائط الإعلامية في نقل ألعاب السحر والخدع الخفية منذ عام 1921م بعد أن انبهر العالم بقطع المرأة داخل الصندوق لأول مرة في التاريخ عندما قام بهذا العمل بيرسي تلبيس في مسرح لندن. ثم انتقلوا إلى التلفزيون الذي عرف منذ الخمسينيات من القرن العشرين ثم السينما التي مثل فيها الساحر الشهير دافيد كوبرفيلد الذي عرف منذ السبعينيات واعترف بهم الغرب وجعل لهم رابطة كبيرة في لندن.
أما عن أنواع السحر فله نوعين معروفين السحر الأسود والسحر الأبيض الذي يشمل خفة اليد في هذه الأيام وهذا مخصص للمتعة والمشاهدة كما أسلفنا منذ العشرينات من القرن الماضي. ويندرج تحت السحر الأسود والعياذ بالله طائفة المشعوذون أو الدجالون تلك المهنة التي تفشت والعياذ بالله في عالمنا الإسلامي قبيل الحروب الصليبية منذ عام 1088م حيث تكونت أول طائفة لها في خراسان في منظمة الحشاشين على يد الحسن الصباح.
ومن ضمن الطوائف التي تدخل في عالم السحر الفلكيين الذين استغلوا علم الفلك بشكل خاطئ في تفسير الأمور الغيبية وهم موجودين حتى الآن في زمانا الحالي وكان من أشهرهم في مصر حسين الفلكي ....الخ ويرأس هذه الطائفة أبو معشر الفلكي.
ومن ضمن الطوائف أصحاب الحرز أو الأحجبة وهي كتابات غريبة الهدف منها الأذى وهذه الأشياء تدخل في مجال الرقية الشرعية المضادة لها.
حكم السحر في الشريعة الإسلامية
السحر محرم في جميع الأديان السماوية وكذلك تم تحريمه في الدين الإسلامي. وقد ذكر فيه آيات صريحة بالنهي وأحاديث شريفة قاطعة لا محالة. حيث اعتبره الفقهاء على مدار تاريخنا الإسلامي من أعمال المرتد عن دين الله سبحانه وتعالى لأن الذي يعظم غير اللّه بما هو مختص باللّه وحده كافر. وقد نقل عن بعض فاسدي الأخلاق الذين يحترفون السحر أنه يسب الإله، ويسجد لما يسميه قرينة، ومنهم من يضع المصحف الشريف تحت قدمه، ومنهم من يهين الملائكة بالسب، ومنهم من يصف الإله بما لا يليق به، وكل ذلك ردة صريحة، وكفر شنيع بلا نزاع. وهو من أكبر الجرائم سواء ترتب عليه الأثر المطلوب أولا.
ولكنهم اختلفوا في أنواع السحر فهم كما يذكر عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الأربعة فهم يقسمونه ثلاثة أنواع وحاصله أنه إذا كان أقوالاً وأفعالاً تنافي الدين وتوجب تكفير صاحبها، كان كفراً (النوع الأول) بصرف النظر عما يترتب عليه من الآثار، وإن كانت هذه الأقوال أو الأفعال محرمة كان حراماً (النوع الثاني)، أما إن كانت جائزة فإنه ينظر لما يترتب عليها من الآثار. فإن كانت محرمة كان حراماً، وإلا فلا (النوع الثالث) . ولكنهم اختلفوا في اثر السحر لكي يبنوا عليه حكم اجتهادي فمنهم من قال أنه تخيل لا حقيقة له والرأي الثاني ينادي بان السحر له أثر حقيقي.
فالذين قالوا أنه حقيقة وله أثر وهذا ما يقول المالكية وعلى رأسهم الإمام مالك بن أنس إن مباشرة السحر كفر وارتداد عن الإسلام، سواء كانت المباشرة من جهة تعلمه، أو تعليمنه، أو ألم به لأن للسحر كلام يعظم به غير اللّه تعالى، وتنسب إليه المقادير. ثم إن تجاهر به فيقتل أن لم يتب وإن أسره فحكم الزنديق يقتل بدون استتابة. وشرط بعضهم عدم الاستتابة مطلقاً، أسره، أو أظهره، وحكم الزنديق على حال أن جاء تائبا قبل الإطلاع عليه، قبل وإلا فلا.
وقد اختلفت بقية المذاهب الأخرى عن المالكية في كون السحر خيالاً لذلك يقتل من يكفر بالله من السحرة أما من يقلع أو يتوب فتقبل توبته لأنه مارس كبيرة وهو مسلم وليس كافر
ويندفع شر السحر بالتعوذ للّه تعالى والتحصن به، واللجوء إليه، وبتقوى اللّه تعالى وأداء حقوقه ومراقتبه، فمن اتقى اللّه تعالى تولى اللّه حفظه، ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} سورة الأنعام – الآية 10
وقال الرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسيدنا عبد اللّه بن عباس: (احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك). ويندفع شر السحر أيضاً، بقوة الإيمان، وصدق اليقين، وثبات العزيمة، والتوكل على اللّه حق التوكل، وإن السحر مهما كانت صفته فلا يضره إلا باذن اللّه عز وجل قال تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} القادر على كل شي ء الذي إذا شاء اثر سحرهم ابتلاء منه سبحانه وتعالى أو عقاباً للمسحور على عصيانه، وإذا شاء تعالى أبطل سحرهم، وحفظ المسحور من شرهم وعصمه من كيدهم.
فلا يعبأ المؤمن القوي بالسحر، ولايخافه ولا يهتم له، ولا يشغل فكره، ولا ينعال ذلك إلا بالوثوق التام بالله تعالى والاطمئنان العظيم غايته، وإن كل شيء بيده تبارك وتعالى {أن يمسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله} سورة الأنعام – الآية 17 فلا يشغل قلبه بالساحر وما صنع وإنما يشغل قلبه بالله وطاعته وحسن عبادته، والإكثار من ذكره عز وجل، فيفوز بحفظه ونصرته. {إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبت أقدامكم} وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لسيدنا عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما: (اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشئ كتبه اللّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك) فتوحيد اللّه تعالى واعتقادا أنه الضار، النافع، المعطي المانع، ذلك هو الحصن العظيم، الذي من دخله كان من الآمنين، قال بعض السلف. من خاف اللّه خافه كل شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه من كل شيء قال تعالى: {إن اللّه يدافع عن الذين آمنوا إن اللّه لا يجب كل خوان كفور}
ومن فضل اللّه تعالى أن السحر وأهله كادا ينقرضان في هذا الزمان، ومن ادعى ذلك الان فإنما هو كاذب خادع، يضل الناس، ويسعى لكسب المال منهم بطريق النصب والاحتيال، والوهم والخديعة، والحوادث كثيرة تدل على انهم مدعون كاذبون لا يعرفون من السحر إلا اسمه، ومن علمه إلا رسمه، (ذلك من فضل اللّه علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون)
ويؤثر السحر غالباً في ضعاف النفوس كالأطفال والمرضى، والنساء، وفي ضعاف الدين، وما حدث للرسل والأنبياء كان للابتلاء والاختبار والتشريع. والله المستعان